تجربة حياة أو موت.. ابتكارات أرتيتا تضع آرسنال على طريق الإنجازات الكبرى
في كرة القدم الحديثة، لم يعد الأمر مقتصرًا على رسم الخطط التكتيكية أو اختيار التشكيلة المناسبة فحسب، بل تجاوز ذلك ليصل إلى تفاصيل دقيقة تحاول صناعة الفارق النفسي والذهني بين فريق وآخر.
المدرب الإسباني ميكيل أرتيتا، المدير الفني لنادي آرسنال، يبدو مثالًا واضحًا على هذا التوجه، إذ يسعى دائمًا للبحث عن أساليب مبتكرة وغير تقليدية لتحفيز لاعبيه، وتحسين طريقة التواصل معهم في المواقف الحاسمة، حتى لو تطلب الأمر الاستعانة بطياري مقاتلات من سلاح الجو الملكي البريطاني.
وذكرت صحيفة “ذا صن”، أن أرتيتا كشف في حدث خاص حول الأدوار القيادية أقيم في لندن، أنه يفكر في دعوة مجموعة من طياري مقاتلات سلاح الجو الملكي البريطاني إلى مقر تدريبات الجانرز.
الهدف ليس عسكريًا بالطبع، بل يتعلق بفهم كيفية تواصل هؤلاء الطيارين مع بعضهم البعض تحت ضغط شديد قد يعني بالنسبة لهم الحياة أو الموت.
ونقلت “ذا صن” عن المدرب الإسباني: “قد أستيقظ يومًا وأقول إن طريقتي في يوم المباراة ليست جيدة بما يكفي. الطيارون المقاتلون مثلًا، سأتواصل معهم لأتعلم كيف يتواصلون، لأن هذا عندهم مسألة حياة أو موت”.
وأضاف: “هم لا يحتاجون إلى 20 كلمة إذا كان هناك كلمة واحدة تكفي. الوضوح والاختصار هو ما ينقذهم”.
بالنسبة لأرتيتا، الفكرة تدور حول الدقة والوضوح في الرسائل الموجهة إلى اللاعبين، خصوصًا في لحظات التوتر الشديد أثناء المباريات، حيث قد يكون لخطأ بسيط أو تردد في التعليمات أثر بالغ على النتيجة.
فلسفة “الهامش الصغير”
ما يقوم به أرتيتا يدخل ضمن مفهوم “المكاسب الهامشية”، وهي فلسفة تعتمد على تحسينات صغيرة لكنها متراكمة تؤدي في النهاية إلى فارق كبير. هذه الفلسفة تبناها سابقًا العديد من الرياضيين والفرق الناجحة، مثل فريق الدراجات البريطاني، ويبدو أن أرتيتا يطبقها بشكل ممنهج داخل آرسنال.
ويرى أرتيتا أن أي فكرة، حتى وإن بدت بعيدة عن كرة القدم، يمكن أن تضيف بُعدًا جديدًا في طريقة تعامل لاعبيه مع الضغط، سواء عبر تعلم أساليب تواصل الطيارين أو استلهام أفكار من سباقات الفورمولا 1 أو حتى من تفاصيل الحياة اليومية.
أرتيتا ليس جديدًا على هذه النوعية من الابتكارات. ففي وقت سابق، استعان بمجموعة من اللصوص المحترفين خلال حفل عشاء للفريق. الفكرة كانت بسيطة لكنها عميقة: أن يتعرض اللاعبون لسرقة متعلقاتهم الشخصية دون أن يشعروا، ليكتشفوا لاحقًا أن غياب التركيز ولو للحظة واحدة قد يكلفهم الكثير.
كما لجأ في أحد الأحاديث مع لاعبيه إلى إخراج لمبة كهربائية، ليشرح لهم أهمية الترابط والتواصل فيما بينهم على أرض الملعب، على غرار الكهرباء التي لا تُضيء إلا بتوصيل جميع الأجزاء.
وفي المسلسل الوثائقي “All or nothing” الذي عرضته منصة أمازون، ظهر أرتيتا وهو يرسم قلبًا ودماغًا يمسكان بأيدي بعضهما البعض بعد أن خسر فريقه 3 من أول 5 مباريات في الدوري. والرسالة التي كان يريد توضيحها تنص على أن اللعب لا يقوم فقط على القوة البدنية أو العقل التكتيكي، بل يحتاج أيضًا إلى قلب ينبض بالشغف وروح جماعية.
أغنية الرهبة
ومن بين أشهر أفكار أرتيتا غير التقليدية، تشغيل أغنية “لن تسير وحدك أبدًا” عبر مكبرات الصوت أثناء إحدى الحصص التدريبية، قبل مواجهة ليفربول في ملعب أنفيلد. الهدف كان أن يعتاد اللاعبون على الأجواء الصاخبة المخيفة التي يشتهر بها هذا الملعب، حتى لا يتفاجأوا بها عند خوض المباراة.
هذه المحاكاة الذكية عكست إدراكه العميق لأهمية الإعداد النفسي، فاللاعب الذي يتدرب وسط أصوات مشابهة لما سيواجهه، سيكون أكثر استعدادًا لمواجهة الموقف الحقيقي.
وفي تجربة أخرى لا تقل غرابة، طلب أرتيتا من لاعبيه عصر حبات ليمون وسكب العصير في وعاء واحد. وعندما بدا أن الجميع قد أنهى المهمة، دفعهم إلى إدراك أنهم كانوا قادرين على استخراج مزيد من القطرات لو ضغطوا بقوة أكبر. المغزى هنا كان أن هناك دائمًا مساحة لتقديم المزيد على أرض الملعب من أجل الهدف المشترك.
كما نظم تجربة باستخدام قطع الدومينو، حيث كان على اللاعبين ترتيب مئات القطع بشكل متكامل. هذا التمرين لم يكن مجرد لعبة، بل رسالة عملية حول أهمية العمل الجماعي والانتباه إلى التفاصيل الدقيقة، إذ أن سقوط قطعة واحدة قد يفسد جهد الفريق بأكمله.
ما يفعله أرتيتا يوضح أن كرة القدم في نظره مشروع متكامل يجمع بين العلم، والفن، والنفسية البشرية. هو لا يكتفي بالاعتماد على مهارات اللاعبين الفنية أو اللياقة البدنية، بل يحاول أن يطور عقلية جماعية قادرة على مواجهة التحديات، والبحث عن حلول مبتكرة تحت الضغط.
وبينما يسعى آرسنال للعودة إلى منصات التتويج الكبرى، قد تكون هذه الأفكار غير التقليدية جزءًا من الوصفة التي يعتمد عليها المدرب الإسباني ليحول “المدفعجية” إلى قوة لا يستهان بها في إنجلترا وأوروبا.
إرسال التعليق