مدرب صربيا يستقيل سريعًا بعد زلزال ألبانيا
التوترات التاريخية تغلف الديربي البلقاني بين ألبانيا وصربيا
أعلن مدرب المنتخب الصربي لكرة القدم، دراجان ستويكوفيتش، استقالته مساء أمس السبت، بعد هزيمة منتخب بلاده أمام ضيفه الألباني (0-1)، في إطار التصفيات الأوروبية المؤهلة إلى نهائيات كأس العالم 2026.
وقال ستويكوفيتش، خلال مؤتمر صحفي عقب المباراة التي جرت في مدينة ليسكوفاتش: “ما كان ينبغي أن تحدث هذه الهزيمة، وأتحمل مسؤوليتها.. أنا هنا لمواجهة العواقب”.
وأعرب عن أسفه للنتيجة قائلا: “كانت سيئة جدا، لم أتوقعها.. تحدثتُ مع رئيس وأمين عام الاتحاد الصربي لكرة القدم. قدمتُ استقالتي، وسيعلنون عنها أيضًا، لكني لن أسافر إلى أندورا لقيادة المنتخب” في المباراة المقبلة ضمن التصفيات بعد غد الثلاثاء.
وكان لاعب الوسط السابق، البالغ من العمر 60 عامًا، والمعروف باسم “بيكسي” أثناء لعبه مع يوغوسلافيا، يشرف على تدريب المنتخب الصربي منذ عام 2021، بعد فترات قضاها مع ناجويا الياباني وجوانزو آر آند إف الصيني.
وخاض ستويكوفيتش 84 مباراة مع يوغوسلافيا السابقة بين عامي 1983 و2001، وكان من أوائل لاعبي الدرجة الأولى الأوروبيين الذين اتجهوا إلى كرة القدم اليابانية، حيث دافع عن ألوان نادي ناجويا جرامبوس بين عامي 1994 و2001.
وتولى بعد اعتزاله اللعب رئاسة نادي ريد ستار بلجراد لفترة وجيزة، قبل أن يتجه إلى تدريب ناجويا أولًا، ثم جوانزو.
وتحتل صربيا حاليًا المركز الثالث في المجموعة الـ11 من التصفيات الأوروبية، خلف إنجلترا وألبانيا. وأفادت وسائل إعلام صربية بأن المدرب فيلكو باونوفيتش قد يحل محل ستويكوفيتش.
وتم نقل مباراة السبت من العاصمة بلجراد إلى ليسكوفاتش، بناءً على طلب صربيا من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لأسباب أمنية.
عداء تاريخي
تعد المواجهات بين صربيا وألبانيا من أكثر اللقاءات حساسية وتوترًا في كرة القدم الأوروبية، إذ تتجاوز طابعها الرياضي لتلامس جذورًا سياسية وتاريخية معقدة تعود إلى قرون، لكن جذوتها اشتعلت في العقود الأخيرة بسبب قضية كوسوفو.
تعود جذور العداء الحديث بين البلدين إلى نهاية تسعينيات القرن الماضي، عندما اندلعت حرب كوسوفو بين القوات اليوغوسلافية (التي كانت صربيا أبرز مكوناتها) والانفصاليين الألبان في الإقليم.
الحرب، التي انتهت بتدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضد صربيا عام 1999، أسفرت عن انسحاب القوات الصربية من كوسوفو، وبدء مرحلة إدارة دولية للإقليم، قبل أن تعلن كوسوفو استقلالها من طرف واحد عام 2008.
صربيا، المدعومة من روسيا، لم تعترف أبدًا باستقلال كوسوفو، وتعتبرها جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، في حين ترى ألبانيا ومعظم الدول الغربية أن كوسوفو دولة مستقلة ذات سيادة. هذه التباينات السياسية انعكست بشدة على العلاقات بين البلدين، وامتدت بطبيعتها إلى ملاعب كرة القدم.
أزمة الدرون
أبرز تجليات هذا التوتر كانت في أكتوبر 2014، عندما توقفت مباراة صربيا وألبانيا ضمن التصفيات المؤهلة إلى كأس الأمم الأوروبية في بلجراد، بعد اندلاع أعمال شغب عنيفة.
فخلال اللقاء، حلقت طائرة صغيرة (درون) فوق الملعب، تحمل علمًا كبيرًا عليه خريطة “ألبانيا الكبرى”، التي تضم كوسوفو وأجزاء من صربيا ومقدونيا والجبل الأسود، وهي فكرة قومية حساسة بالنسبة للصرب.
أثار المشهد غضب الجماهير الصربية التي اقتحمت الملعب، واعتدت على اللاعبين الألبان، مما اضطر الحكم إلى إنهاء المباراة قبل وقتها.
وقرر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لاحقًا اعتبار ألبانيا خاسرة 0-3، وفرض غرامات على الطرفين بسبب الأحداث.
لكن المحكمة الرياضية الدولية ألغت القرار لاحقًا، ومنحت ألبانيا الفوز 3-0، باعتبار أن الأمن الصربي فشل في حماية لاعبي الضيوف.
منذ ذلك الحين، أصبحت أي مباراة تجمع المنتخبين تُعد اختبارًا أمنيًا ودبلوماسيًا، قبل أن تكون مواجهة رياضية، حيث يتم تشديد الإجراءات الأمنية بشكل كبير، وغالبًا ما تُقام المباريات بدون جماهير أو في ملاعب محايدة، لتجنب الصدامات.
حتى على مستوى الأندية، نادرًا ما يلتقي نادٍ صربي بآخر ألباني في بطولات أوروبا. لكن في حال حدث ذلك، يتعامل الاتحاد الأوروبي بحذر بالغ، إذ يمنع حضور الجماهير الزائرة ويضاعف الإجراءات الأمنية.
ورغم مرور أكثر من عقدين على انتهاء الحرب في كوسوفو، لا يزال الإرث السياسي والاجتماعي لذلك الصراع حاضرًا في الذاكرة الجماعية للشعبين.
ويظل الكلاسيكو البلقاني بين صربيا وألبانيا واحدًا من أكثر المواجهات المشحونة بالعواطف في أوروبا، حيث تختلط فيه مشاعر التاريخ والدين والقومية بالكرة، في تذكير دائم بأن كرة القدم ليست فقط لعبة، بل مرآة تعكس صراعات الأمم أيضًا.
خفض التصعيد
لكن في 7 يونيو 2025، التقى المنتخبان في العاصمة الألبانية تيرانا ضمن تصفيات كأس العالم 2026، وانتهت المباراة بنتيجة 0-0 دون حوادث كبيرة رغم التوتر، مما اعتُبر خطوة لخفض التصعيد بين الجانبين.
وأضاف الاتحاد الأوروبي (يويفا) أن التنظيم كان جيدًا، وأن الإجراءات الأمنية نجحت في منع جماهير صربيا من الحضور، كما تم تقييد عدد الجماهير الألبانية، عبر نظام التسجيل واليانصيب لتوزيع البطاقات.
سبق ذلك في ديسمبر 2024 عقوبات ضد الاتحاد الصربي من قبل يويفا، بسبب سلوك من بعض المشجعين، من ضمنها محاولة إحراق علم ألبانيا. وتم غلق أجزاء من الملعب، وفرض غرامات مالية.
كما أن مبادرة التنظيم المشترك بين ألبانيا وصربيا، لاستضافة بطولة أوروبا (تحت 21 سنة) عام 2027، تعكس رغبة مؤسساتية في التهدئة وتقليل التوتر بين البلدين، على المستويين السياسي والرياضي.
إرسال التعليق